من يقتل الباشكوته 2 ( ثقافة التنبلة )

تكلمنا سابقا عن محاولة قتل الباشكوته وما صاحبها من نجاح القتلة في المحاولة إلي حد ما وجاري الآن إسعاف الباشكوته ومحاولة إنقاذه من المرض اللعين
ثم تكلمنا في محاولتنا لكشف القتلة الحقيقين ومحاولة تتبع الخيط من أوله فبدأنا بثقافة التزييف وكيف أصبح الفرعون فرعونا بنفاق فئة كبيرة من الشعب وتدليس فئة أخري وسكون الباقيين
اليوم في محاولتنا كشف الجناة الحقيقيين نتكلم عن ثقافة أخري
ثقافة التنبلة
التنبلة باختصار شديد جدا وبدون أي تعقيدات لغوية أو شروح اصطلاحية هي
إيثار الراحة والمتع عن العمل والإبداع
اعتقد أن هذا هو التوصيف المحترم الوحيد الذي من الممكن أن نطلقه علي التنبل.
جبل الإنسان علي حب الراحة والتمتع ولكل منا متعه الخاصة بداية من أصفياء الأرض وهم الأنبياء وتمتعهم بحب الله وحتى الفاسقين الفاسدين الذين يؤثرون التمتع بملذاتهم
إذا العيب هنا ليس في حب الراحة أو التمتع بالملذات علي اختلاف الأهواء والأغراض
التنبل يمتاز بالجزئية الثانية من التعريف ألا وهي كره العمل والإبداع
كما أشرت أن الإنسان المجبول علي حب الراحة والمتع لا يمنعه ذلك من الإبداع و العمل , وكما قلت حتى أصفياء الله من الأنبياء لم تمنعهم متعهم الروحية في العمل بل والإبداع في ذلك العمل , فلم نري نوحا تنبلا مثلا بل رأيناه نجارا فنانا يصنع في قلب اليابسة سفينة عظيمة
وما عهدنا داوود تنبلا بل حدادا ماهرا وصانع لبوس ودروع الان له الله الحديد ليبدع في صنعته , ثم عرفناه فنانا ناشدا متبتلا , يأوب وتأوب معه الطير والجبال
وما سمعنا أن عيسي الناصري عليه السلام كان تنبلا بل تلميذا لنجار فنان هو يوسف الصالح ومن بعده يصنع بنفسه ما يسر الناظرين
ثم نأتي إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وننفي عنه تهمة التنبلة التي اتصف بها بعض شعبنا الحالي فبعد رعي الغنم إلي التجارة إلي القيادة السياسية والإبداع في كل هذا
إذا وهؤلاء قدوتنا الذين اصطفاهم ربنا وفضلهم علي كثير ممن خلق وجعلهم لنا أسوة في الجانبين
المادي والروحي
إذا ما علاقة ذلك بمحاولة قتل الباشكوته
اصبر قليلا وستعلم لاحقا
للجغرافيا في مصر المحروسة فعل السحر في تشكيل شخصية المصري , وجعله أكثر تقبلا لأنماط معينة من الحياة
بعدما استقرت الحياة المدنية الأولي علي ضفاف النهر العظيم , وبعد أن بدأت تظهر بوادر الأزمات بسبب مشاكل الري , وبعد أن تحكم الأقرب من مصرف النهر في مصير زراعات الأبعد عنها , كان لابد من وجود تقنين معين يحمي النهر من مشاحنات وبغضاء بدأت تتأصل بين المصريين فكانت النتيجة هي ما نعرفه حاليا باسم الحكومة المركزية
نعم , كانت لمصر منذ فجر التاريخ سبق تكوين وتشكيل السلطة التنفيذية وبسبب النهر الخالد , ولهذا يطلق عليها أم الدنيا
ولكن لتأريخ كيف تحولت المسؤوليات إلي سلطات يجب أن نعلم أن المصري القديم بطبعه أحب النهر العظيم حبا لا يشاركه فيه احد حتى تحول الحب بمضي الوقت إلي عبادة , ولما كانت المشاحنات الأولي بسبب الري , ولما كان حل المشكلات علي يد السلطة التنفيذية ممثلة في الفرعون وحكومته , ولما كانت السلطة في الأصل مستمدة من النيل العظيم , لكل هذا , نشا عندنا عبادة الفرد , أو عبادة الفرعون
للمرة الثانية أسال , ما علاقة ذلك بجريمة قتل الباشكوته
أرجوك فقط قليلا
نعود لنربط الخيطين معا
الأصفياء أحبوا العمل والإبداع إلي جوار تمتعهم بالمتع الروحية والمصري أحب النيل وعبده , ومن ثم وبضرورات الأشياء عبد الفرعون وان لم يحبه
فكيف يوفق المصري بين حبه للنيل وحبه لله
أولا دمج المصري القديم بين الله عز وجل وبين النيل العظيم علي أن النيل هو صورة للإله الحي الذي يخلق الإنسان ويهبه خير الفيضان
ثم تأصل لدي المصري القديم أن الخالق عز وجل وصورته التي بين أيديهم وهي النيل لن يخلقهم وينساهم علي حد التعبير المصري الشائع ,
لذلك تأصل لدي المصري حالة من الثقة في ربه النيل بأنه لن يضيمه أبدا فاستراح إليه , وتمثلت الثقة والاستراحة إلي الإله النيل في شئ متميز تربينا عليه حتى الان
ألا وهي , الري بالراحة ثم الري بالغمر
في كل بلاد الدنيا كان هناك ترشيد للماء منذ القدم وحتى الان لوجود حالة من الخوف من انعدام الماء في يوم ما , إلا عند المصري منذ القدم
ما ترتب علي ذلك أن المصري القديم وحتى الان كان يتوقف كل عمله بان يتجه صباحا إلي النهر العظيم , يتلو صلواته ودعاءه , ثم يخلع ثيابه بالكامل , يطقطق عضلات رقبته من آثار النوم , ينزل إلي الماء رويدا رويدا , يفتح قناة الري الصغيرة , يصعد ثانية , يرتدي جلبابه , يتجه في شجرته الظليلة علي راس أرضه , ثم ينام ملئ جفنيه
” بالطبع أنا أؤرخ لأصل الفئة الباغية في مصرنا وليس للفلاح المصري , بمعني أن من استراح بتلك الطريقة هم بعض المصريين الذين توارث بعضنا جيناتهم حتى الان وليس كل المصريين الذين علموا العالم فن الزراعة منذ القدم ”

وما علاقة ذلك بالباشكوته ومحاولة قتله

أقول لك
لما تأصل لدي بعض المصريين منذ سبعة آلاف عام الراحة تحت الشجرة الظليلة في انتظار انتهاء الإله من ري أرضه , ثم شكره في النهاية , فقد استمرت تلك الجينات ولم تستطيع أن تعدل كل محاولات تغيير الطباع والإقتداء بالأصفياء في حب العمل والإبداع مع المتع والراحة فاثر جزء كبير من المصريين , أؤكد , جزء وليس الكل , علي تلك الثقافة حتى أصبحت غاية في حد ذاتها
لم تعد التنبلة وسيلة تريح المصري من عناء العمل , بل أصبحت هي الغاية التي يرومها الإنسان المصري بكل حواسه طالبا لها وساعيا لأجلها بل ومضحيا في سبيلها بالغالي والنفيس وشواهد التاريخ التالية ستثبت ما أقول
جاءت كليوباترا حفيدة البطالمة لترتدي الزى الفرعوني آملة أن يتقبلها المصريون وينسوا ما فعلها أبيها بطليموس الثاني عشر والذي بدا القتل بابنته بيرنيكي أخت كليوباترا ثم نزل ليعرف المصريين قدره ومكانته ويقتل من السكندريين ما يفوق الخيال , ولكن المصريين لم ينسوا بسهولة أفعال بطليموس , فما كان من كليوباترا إلا أن بحثت عمن يساعدها فلم تجد أفضل من شخص مصري توافرت فيه أهم صفتين أرادتهم كليوباترا , التزييف , والتنبلة والشاهد علي ذلك من حملها ملفوفة عارية من الملابس في سجادة ثم يلقيها ويفردها أمام يوليوس قيصر لتنتصب من أخر لفات السجادة بجسدها البض الجميل أمام ابن الستين عاما لتسحره فيعينها علي أهل مصر وأخيها بطليموس الثالث عشر الذي طردها من الإسكندرية
من أعانوها كانوا بعضهم مزيفين كما اشرنا سابقا وبعضهم تنابلة استعذبوا الراحة في خدرها
ثم تمر السنون ليأتي الوالي العثماني البدين محمولا علي أجساد العبيد ليريحوه علي الكرسي المطعم بالأحجار الكريمة ويقف علي جانبيه عبدين مليحي الوجه يهشان عليه بمراوح من ريش النعام , أمامه طبق ضخم من الفاكهة لا ينضب معينه , تتوالي طاسات اللحم والشحم و ما لذ وطاب ولكن ينقصه شيء مهم
ينقصه جليس لا يسمعه إلا ما يرضيه , ويكون خالي البال , فسيح الوقت , فلم يجد في الاستانه ما يرضيه ووجد الأفضلية في المصري التنبل
وهكذا وجد بيننا , تنابلة السلطان
تمر الأيام لنصل إلي الفاروق المعظم ملك مصر , وحامي الحمي , والذي أراد أن يصدر قوة التنبل المصري إلي الإخوة العرب ففتح قسما لتدريب التنابلة العرب وتخرج منه باستحقاق احد التنابلة العظام وهو اللبناني كريم باشا ثابت ليتحكم في القصر من أمام موائد الطعام والشراب
ثم تمر الأيام سريعا ويهب بعض المصريين من سبات التنبله وتندلع ثورة يقودها شبان ثم سريعا يتهافت عليهم التنابلة ليتشبه اليوم بالبارحة وتعود تنابلة السلطان لتملأ المؤسسات الاشتراكية ثم مؤسسات حزب الوسط الوطني في العصر الساداتي .
نأتي إلي عصرنا المبارك
لا يختلف تنبل هذه الأيام عن تنبل عبادة الفرعون إلا في شيء واحد , هو تغيير الشجرة الظليلة التي كان ينام تحتها تنبل السبعة آلاف سنة بالتكييف الذي يفخذ تحته تنبل هذه الأيام , وعليه فان وزير العصر المبارك الحالي هو بنفس الكينونة تنبل الفرعون منذ سبعة آلاف سنة وهو بالضبط تنبل البطالمة من بعدهم وهو بالضبط تنبل السلطان العثماني منذ أربعمائة عام فقط
التنبل قديما فتح قناة الري وتمدد تحت الشجرة
وتنبل هذه الأيام فتح درج المكتب وحساب البنك , وفتح التكييف وتمدد علي الأريكة الوثيرة
بقي أن نضيف مثالا أخير للتنبلة نشاهده يوميا
عندما تجلس تفرقع في أصابعك وبجوارك من يعمل بالسخرة , عندما تجلس تمد رجليك المتيبستين من عدم الحركة , وعندما تعطي أوامر أنت أول من كان لا يلتزم بها , وعندما يكون كل اهتمامك أن تكسب ود رئيسك المباشر , وعندما تطأطأ رأسك لتستقبل بها الرأس الكبير , عندما تزيف الحقائق لتجمل القبيح , وتظهر عكس الحقيقة, وعندما تنام في جلسات برلمانك , أو تنعم بقزقزة اللب وهم يناقشونك موازنة دولتك , أو عندما تغفو وترفع يدك بالموافقة علي ما لا تفقه , فاعلم انك هنا
مجرد
تنبل
وسيذكرك التاريخ كما ذكرنا أجدادك
مجرد تنبل
هؤلاء من يحاولون قتل الباشكوته

أضف تعليق