قابيل وهابيل

 

ما زالت الفتنة تطل بوجهها القبيح من وقت لآخر لتسقط ورقة التوت التي تخفي عوراتنا , وما زلنا نغض الطرف عن السبب الحقيقي والمحرك الفاعل لتلك الفتنة الحمقاء , وكالعادة المصرية المتأصلة في داخلنا والمتمثلة في المثل الشعبي الموصف لحال مصر والمصريين , ” احيني  انهاردة وموتني بكرة ” , ما زلنا نؤجل كشف الحقيقة المرة حتى لا تصطدم عيوننا بمنظر عورتنا القبيحة وسوءتنا الخبيثة , بل والأشد قبحا في ذلك المشهد هو مكافأة القاتل بما اكتسب بديلا عن مجازاته وحسابه

بالأمس القريب اندلعت الفتنة ثانية في إمبابة , ذلك الحي المليوني السكان لتنتهي المعركة الحربية بعد عدة ساعات مسفرة عن مقتل 12 شخصا وإصابة ما يربو علي المائتين , والسبب كما هو معلن مسبقا ومتوقع سلفا إشاعة حمقاء عن اختفاء متحولة عن المسيحية ( النصرانية ) إلي  الإسلام و شبهة اختطافها واحتجازها داخل الكنيسة مما دعا بزوجها ( المسلم ) والذي تزوجها دون طلاقها من زوجها السابق وذلك لان الإسلام يجب ما قبله وبالتالي فلا داعي لطلاق الحبيبة من زوجها السابق ولا حتى عنايتها بطفليها من الدين السابق , المهم أن ذلك

( العشيق ) استنصر ( ليس تنصر ) بمشايخ سلفيين من المسجد القريب والذين لبوا نداء النصرة وهبوا وهرعوا إلي الكنيسة وبعد مداولات ومشادات انطلقت رصاصات قيل إنها ( نصرانية ) من مسيحي من علي أسطح البنايات المحيطة لتقوم الدنيا ولا تقعد

كان ذلك ملخصا لأغلب ما قيل في تلك الحادثة ,’ ولا يعنيني هنا المنشأ اللحظي للكارثة بقدر ما يعنيني المنشأ الحقيقي والزمني والمزمن لها , ولا يعنيني القبطي أو المسلم أو حتى البلطجي الذي أشعل قنبلة المولوتوف بقدر ما يعنيني من أشعل جذوة الكره لسنوات خلت حتى تأججت في الصدور  وصارت تزفر بغضاء وكراهية كالمراجل البخارية لتحرق كل ما حولها ومن حولها , وأظن أن تلك قضية يجب أن نتحدث فيها كثيرا لاحقا لنحدد بالضبط من المسئول عن تلك الفتنة منذ بداية السبعينات وأحداث الخانكة وحتى نهاية يوم الأحد مايو 2011 , والاهم الآن أن نتحدث عن كيف نعالج آثار تلك الفتنة الحالية بطريقة جراحية وليس بطريقة المسكنات التي سئمناها  , نحلها بطريقة حاسمة وقاطعة بدلا عن نظام الطبطبة  وحب الرؤوس الذي عهدناه سابقا وما زلنا نطبقه حاليا , حل الأزمة بعيدا عن

 ( احيني انهاردة وموتني بكره ) ولكن بطريقة ( إن لم تستطيعوا أن تعيشوا بالحب فلتحيوا بالعدل )

بداية وأول خطيئة في تلك الحادثة هو استعانت الأمن ببعض الشيوخ لتهدئة الأوضاع , وأي أوضاع سيهدئونها وهم من يشعل كل مصيبة في تلك البلد حاليا , أو هكذا تتحدث المصائب ولو بالشائعات

ثانيا كيف يحمل مدني مسيحي كان أو مسلم سلاحا ليطلق منه النهار لدفع ضرر أو لجلب منفعة , وماذا حدث بعد أن هدأت الأمور ولو نسبيا في كميات السلاح التي يثار عنها الحديث

ثالثا كيف يتأخر الأمن في الحيلولة دون حل المشكلة مع علمه بها منذ ما قبل الرابعة مساءا أي قبل اندلاعها بساعات كافية لمنعها

رابعا كيف لم يقبض علي أي مسلم أو مسيحي ثبت تورطه في الحادث خاصة أولئك الذين ملئت كليباتهم الانترنت وهو يتوعدون ويقسمون إما بحرق الكنائس أو بذبح المسلمين وكلهم بوجوه معروفة ويسهل الوصول إليهم

خامسا ما هو الوضع القانوني والعقلاني لأولئك المحتشدون عند السفارة الأمريكية يطلبون لمصر بأكملها حق اللجوء السياسي والاستعماري من أمريكا

سادسا ما مصير ( العشيقة ) التي هجرت طفليها لترتمي في أحضان ( العشيق ) والتي ملأ الفيديو المصور لها الدنيا

سابعا ذلك العشيق ( المسلم ) هل سيحاكم في محاكمة عسكرية لتسببه في قتل وحرق أم سيخلي سبيله علي انه متضرر وقد يصرف له تعويضات , وأظن انه لو كان في دولة إسلامية الحكم والقضاء كما ينادي البعض لطبق عليه حد الحرابة أو اقله حد الفاسق الذي جاء بالنبأ ولم نتبين فأصبنا وأصبنا من قوم بجهالة

ثامنا ما مصير القنوات الفضائية التي تغذي الفتنة الطائفية والموقع اللعين المسمي بالبالتوك ونحن قادرون علي وأد تلك الفتنة تماما تكنولوجيا

 تاسعا  ما مصير الدولة المدنية التي صارت ضرورة ملحة الآن

عاشرا وهو المقصد الأساسي لهذا المقال وأرجو أن نأخذه بالعقلانية المناسبة لتفهم الوضع , أتساءل هنا سؤالا ليس بريئا بالمرة وأقول ما مصير القاتل الذي امتدت يداه وتلوثت بالدم , الإجابة ببساطة شديدة هي الإعدام , حسنا , وما مصير المقتول الذي سالت دماءه في ارض الجهاد من الطرفين , الإجابة بمنتهي السخف من وجهة نظري هي , تعويض 5000 جنيه لكل قتيل , حسنا وما مصير المصاب من الطرفين  , قيل 2000 جنيه كتعويض عن إصابته

هنا في نظري تكمن الكارثة , هل من المعقول أن المصاب الذي أصيب وهو يحمل قنبلة ليقتل أخيه أو شومة ليهشم رأس أخيه , أو سكينا أو حتى حجرا  يشج بها رأس أخيه يستحق المكافأة , هل لو عاش المقتول وقبض عليه الم يكن من الطبيعي والقانوني بل والحاجة الملحة أن يحاسب ويحاكم ويسجن أو يعدم ,  تذكروا جميعا أن هابيل استحق الخلود في الأرض وفي السماء لأنه قال بمنتهي التقي والورع ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك … إني أخاف الله رب العالمين ) وان قابيل استحق اللعنة في الأرض والسماء لأنه ( سولت له نفسه أخيه فقتله ,,, فأصبح من الخاسرين ) , ذك هو المبدأ وتلك هي القضية , إن من قُتل غدرا وغيلة هو من يستحق التكريم والاحتفاء وان من قُتل وهو احرص علي قتل أخيه فهو في خانة المفسدين في الأرض , ولنتذكر الحديث الشريف الذي يتحدث في حق المسلمين ( فقط )  ” انه إذا التقي المسلمان ( المؤمنان في رواية أخري ) بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار , قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصا علي قتل أخيه ) استشهد بالآية والحديث فقط لأدلل انه حتى في الملة الواحدة يضع القانون الديني الجزاء علي القاتل والمقتول وبما أننا إخوة في الوطن ولسنا في دار حرب وينطبق علينا قول الله تعالي ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) فهو ادعي أن نقف جميعا أمام القضاء العادل وقفة الأخوة وليجازي كل منا علي ما اكتسبت يداه مصابا كان أم قتيلا أو قاتلا , كل من كان حريصا علي قتل أخيه يجب أن يقتص منه بالعدل لا أن يكافئ , كيف تدار الأمور في تلك الأرض إذا هل يكافئ المصاب لأنه أصيب فهل لو ثبت وذلك بديهي انه أصاب عشرة قبل أن يصاب فهل يستحق المكافأة أو التعويض , أم هل تدفع الحكومة من أموال دافعي الضرائب عطايا تحفيزية ولو بسيطة لارتكاب الجرائم ,  تلك هي الطبطبة التي اعنيها , وتلك هي العورة التي لا ننوي النظر إليها ومداراتها , وحتى وان كان المصاب أو القتيل كان مروره لحظيا ومصادفة في مكان الجريمة وهو أمر نستبعده تماما خصوصا أن المناوشات استمرت قرابة الساعات الأربع قبل اندلاع النيران , فقليل من الظلم لإقامة كثير من العدل شيء لا ننكره ولا باس إذا ما عرفنا أن العدل المطلق لا وجود له علي تلك الأرض الموبوءة بأمراض التدجيل والكذب والافتراءات , كان يجب أن يعاقب المصابون من الطرفين لتكون رسالة قوية ورادعة انه إن وجدت أرضا للمتاعب فلتلزم بيتك وإلا فالعاقبة عليك لا لك , يجب أن نفيق من وهم الحلول المسكنة وحب الرؤوس الذي أوجع رؤوسنا ويجب تطبيق القانون بكل قسوة وحزم علي الجميع حتى تستقيم الأمور في تلك الأرض التي ظلم بعض أهلها فاحرقوا الآمنين منا في بيوتهم , ويجب من الآن وصاعدا أن تحل الأمور الجسام بما يتناسب معها ويتماشي مع مسبباتها ونتائجها , منذ كنيسة صول والأمور تمشي نحو الحلول العرفية التي عهدناها من النظام البائد  ولو أن كل من مد معولا لهدم نسيج الوطن قطعت يده لكان عبرة لغيره ليفكر ألف مرة قبل أن يقدم علي مثل تلك الأفعال

أم أن القوات المسلحة تغض الطرف عن الحلول الحاسمة لحاجة في نفس عنان ورفاقه

حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء

أضف تعليق